الأربعاء، 19 مايو 2010

الضوء التاسع: الرب عائدا من الخصى

الرب عائدا من الخصى
_______________________________________________
"ليس الجميع يقبلون هذا الكلام، بل الذين أُعطى لهم. لأنه يوجد خصيان وُلدوا هكذا من بطون أمَّهاتهم. يوجد خصيان خصاهم الناس، ويوجد خصيان خَصوا أنفسهم لأجل ملكوت السماوات من استطاع أن يقبل فليقبل" (إنجيل متى11: 12).
__________________________________________________
كان جوزيف لقيطا وجد على باب الدير فى قلب الصحراء تربى وتعلم اللاهوت فى الكنيسة و حاولت راهبة فاسقة فى دار الراهبات الملاصق للدير أن تكتشف برعم رجولته فى سن صغيرة ولم يكن الطفل جوزيف معدا لذلك فتركت له إنطباعا صاحبه مدى حياته أنه غير كامل الرجولة خصوصا أنها أول من أشارت إلى قوته الخارقة أيضا وبرهنت أنه كان يملك كرامة ومعجزة فقد إكتشفت أنه لاتنعكس صورته فى المرآة ولا يظهر فى الصور الفوتوغرافية وأضافت مسحة من خيالها تفسر هذه الظاهرة حول زيارة السيدة العذراء للدير و سقوط دموعها على جوزيف اللقيط مما أكسبه القدرة على تلاشى صورته داخل حيز المرآة أو إختفائها من شريط عدسة كاميرا الفيديو أو السينما أوالفوتوغرافي و رغم إن أحدا لم يتحرى صدق هذه المعجزة إلا أنه بسبب هذه الظاهرة أصبح الدير المنعزل محط أنظار لزوار العالم لمشاهدة الطفل المعجزة و تدفقت أنهار من تبرعات وأموال و هدايا على الدير من كل فج عميق ...وعندما إكتشفت الراهبة ذاتها إن جوزيف اللقيط يمكن رؤيته فى المرايا إذا انعكست صورته من مرآة على مرآة أخرى فى ذات اللحظة فمنع الدير المرايا و التصوير بأنواعه داخله حتى لا يفقد الدير سمعته وتندثر مآثره وتخبو معجزة ومكرمة جوزيف اللقيط فتنخفض حركة السياحة الدينية وتوابعها من أرصدت العطايا والتبرعات ؟
و بين عطف بعض الراهبات على يتيم الدير وكراهية البعض الأخر اللاتي ظنا من ملامحه أنه لأبوين مسلمين فقرين من البدو الغجر تركوه على باب الدير شفقة عليه من شظف الحياة القاحلة بالصحراء سعيا لرعاية أفضل لإبنهما جميل الملامح ...
وإنقسم الدير بالفعل حول جوزيف اللقيط مابين من يعطيه الأمل فى عودة أبويه لإسترداده ذات يوم و بين نعته بأنه إبن الخطيئة أو عنوان السفاح بل روح شريرة من أحفاد الفمبير الذين ينتمون إلى الكونت دراكولا مصاص الدماء كل ذلك فى الأحاديث و الهمهمات بين التسامح و المحبة و دائرة الكراهية و التعصب التى كانت تدور من حوله مما عمق لديه الشعور المتنامي بالعزلة و فضل بعد بلوغه إن يكون راهبا فى خدمة الرب و قد ساورته الهواجس و تداعياتها بأنه ربما يكون هو إبن الرب العائد لهداية العالم و إنتابه مشاعر ملتبسة بأنه يجب إن يتوقف عن العبادة لأنه قد يكون الرب نفسه فكيف يعبد ذاته خصوصا أنه إعتكف على القراءة فقرأ كل الكتب فى مكتبة الدير عدة مرات بل كان سببا مباشرا فى تضخمها عبر مراسلاته طلبا لكتب جديدة مهداة للدير حتى خصصت قاعة أكبر فيه لتحوى الشحنات الجديدة التى لا تنتهي أو تنقطع من شعب الكنيسة...

لم يكن عقل جوزيف مهيأ لإستيعاب كل ما يقرئه و زاد لوثته أنه لم يكن لديه متعة ورفاهية مناقشة الأفكار المعبأة التى تدور فى مجرات عالمه و إستقرت سلفا فى فضاء ذهنه فظل فى مناجاة وناقشا داخليا مطولا مع ذاته يستعرض فيها إختلافه مع وجهات نظره المختلفة ودرس البوذية و اليهودية و الإسلام بل مارس عبادات وطقوس المتصوفين من المسلمين سرا و حفظ القرآن تقربا لله بعد إن نزع ثوب التعصب و صار سرمديا يبحث بين المتناقضات عن يقينه المراوغ فبات مزدوجا فهو عبدا مجنونا بربه يطارده نحو خلاصه الأبدي ..وأحيانا العكس فهو الآله الذى إكتشف أنه يسكن روحه و يلبس أجساد بأشكال و كنايات وأسماء مختلفة مفوضة فى الأرض لهداية العالم لعبادة ذاته وقد أثمرت تعاسته العقلية و النفسية و القدرية إلى مخرجا تفسيرا مرضيا لتبرير مأساته وتأكيد أوهامه و تحمل معاناته وآلامه فهو يتيما و عاجزا جنسيا و لا تراه المرايا وهكذا هو الرب لم يلد و لم يولد و على المسيح إن يتبعه لأنه كلمته وصناعة نفخه.

ولم يوشك جوزيف على بلوغ الأربعينات حتى إرتحل من الدير لإستكمال دراسة درجة الأستاذية فى اللاهوت منتقلا حائرا إلى كنيسة بالمدينة العدل و السلام فلم يهتم أن ينظر إلى نافذة السيارة ليطل على مدينتها فقد كانت أول خروج له من الدير ورغم صغر سنه تبوأ كرسي أب الاعتراف بسهولة لما لمسه أسقف الكنيسة و كبير الكاهنة فيها من حكمته و إتساع علومه و سعة صدره إضافة إلى أدبه و رزانته وإخلاصه فى خدمة الرب و المسيح و شعب الكنيسة ....و أصبح مرشدا لحياة لم يعرفها و ذاعت قدرته على النصح و الإرشاد و التوجيه..بل انه أصبح معالجا روحيا و نفسيا أكثر من كونه كاهن فى الكنيسة لدرجة إن مسلمين كانوا يزوره سعيا لشفاء روحهم المضطربة و صار إسمه الأب القديس جوزيف وصار يختلجه مشاعر من فرح الشديد من كونه يساعد شعب الكنيسة على تجاوز محنتاهم و مع علو شأنه فى الكنيسة إرتفعت الأحقاد و الضغائن ضده ورحلة التنقيب والبحث فى تاريخه و أصوله عن نقيضه و ذلة و فرية من أقرانه مما إضطره إلى الرحيل إلى كنيسة القيامة أكبر كنائس الولايات العربية المتحدة وأصر هناك إلا يكون كاهن الإعتراف خوفا من تعاوده متاعبه مع زملائه فقرر إن يكتفي بعبادة الرب و الانتهاء من دارسته الا إن شهوة أصرت إن يكون مرشدها الخاص و مع إلحاحها صارت إستثناء يثبت القاعدة ولكنها إعترفت له بما تريد و حجبت عنه علاقتها بمرشدها الهارب الكاهن جورج المسكين و كانت تدرك إن لا تريد إن تعترف بقدر ما تريد إن تستحوذ على حبه الذى تملك مرشدها السابق و الذى سيطل ويتسلل بالضرورة من شباك إعتراف القديس جوزيف قريبا فى المصيدة المنصوبة للراهب الشهير فقد سافرت إلى ديره القديم و جمعت حوله معلومات كافية و بالغة فى إعترافاتها له و زادت عليها من الحقائق خلطة الخيال و تفاصيل متناهية فى الإثارة أحيانا وحاول القديس جوزيف إن يفهم أو يتدارك ببراءة التغييرات التى حلت بأحواله وهزت من رسوخ عقيدته و أسقطته من التعفف عن متع الحياة إلى الرغبة فيها وظن إنه قد اخطأ فى بادئ الأمر بالإستماع إلى نفر من شعب الكنيسة فتسلسل الحب إلى قلبه فعاد و طلب أن يكون كاهن الاعتراف ومرشدا لكل من يريد من المترددين عليها ...
وبدأ القديس جوزيف تعوده لوثت تذبذب العقل عندما إعترفت له شهوة بإنها لاترى من العالم سوى جسدها فى المرايا وعندما حاولت إن تثبت له ذلك كان هو بالتبعية لايرى ذاته منعكسة فى صورتهما فى المرأة ؟
و لكن خادم الكنيسة سرعان ما شعر إن الحب إستبد به فملأ قلبه شغفا و أشعل جذوة العاطفة و الرغبة فى جسده بعد إن تصور أنه غير مكتمل الرجولة و شهد عضوه ينمو منتصبا خلف جلبابه الأسود لأول مرة فى حياته وهو يسمع صوت شهوة التى لا حظت هذا التضخم من فتحات شباك الإعتراف وهى تعترف إن اللذة لا تأتيها الا عندما تلامس ثدي أمها وكونها تشعر بنفور غريزي من الرجال أو النساء ورغم أن ما قالته كانت حقيقة فقد باحت له أخيرا بأنها لم تحب احدأ فى حياتها قطا من الرجال مثلما أحبت الأب جورج المسكين و تمنته لنفسها فصوته حتى فى الصلوات كان كفيلا إن يلمسها فترتعش وتشعر بلذة الجماع و تأتى بمائها بشكل متكرر حتى أنها فقدت الوعى عديد من المرات فى قلب الصلاة و عندما أعلن لها أنها يحبها كأنثى كانت روحها تطوف فى سماء الكنيسة ابتهاجا تدق وتقرع الأجراس التى صرخة بالضجيج المجنون ففسر قساوسة الكنيسة هديرها المدوى بأنها فعل رياح عاتية لايرها سوى المؤمنين ....لكن الأب جورج المسكين تركها ليعبد الرب مع أنها مازالت تعتقد إنه الرب ذاته ؟
وعندما فرغت شهوة من حديثها تركت مقعد الاعتراف وهى تبكى و ظل القديس جوزيف صامت تتخبط فى عقله مليارات من حيوانات الدهشة وهو يحاول إن يهدأ من روعه عضوه الذى عاد للحياة حتى يستطيع إن يخرج من غرفة أب الإعتراف دون إن يلاحظ أحدا إنه فقد عذريته وربما آلوهيته فى زلزال واحد على يد فتاة آثمة من زوار الكنيسة وأختفى القديس عن كنيسة القيامة فى ذات اليوم و قطع مسافة 600 كيلومترا فى عدة شهور مترجلا مشردا كمكذوب تائه ممزق الملابس لا يعرف بوصلته حتى عاد يكاد إن يموت من الجوع و العطش نحو ديره القديم حتى إن حارس بوابتها و ساكنها لم يعرفوه و ظنوا أنه شحات يطلب المساعدة أو مجنون فقد عقله فى الصحراء ....
ولاشك إن حظ الأب جورج المسكين كان أوفر فقد ذهب عن كنيسة قيامة و لم يعرف أين إختباء؟ و لكن الحظ التعس للأب القديس جوزيف كان شديد السواد فقد كان من السهل إن تنبأ شهوة أين ذهب ليعود راهبا يكفر عن خطاياه ربما يغفر له الرب وفي قلب إعتكافه ومحاولته إرضاء الرب كان شبح شهوة يعود ملحا بين الحين و الأخر أشد وطأة فيتخلص بيده من شهوته حتى ينهار أو يدفنها فى معز الدير و فكر جليا إن يخصى نفسه هروبا من هول خواطر إلحاح لعنة الرغبة التى لامناص منها أو خلاص و بعد مرور قرابة السنة كانت شهوة فى قلب غرفته بالدير و تصور إن الشيطان يرسم له تهيؤات ليلهيه عن أبوه رب السموات فقد شم رائحتها قبل إن تصل إلى غرفتها و لكنها كانت حقيقة و لمسته فإنتفض متصببا عرقا كأنها حمى و إرتعش لا إراديا
قال "من أنت؟"
فأجابت"شهوة"
رد متلعثما "لماذا أسموك شهوة؟"
إقتربت منه وهى تمسح العرق عن صدره و بريق عينها يشع ضوءا لامعا فى نور الغرفة الخافت بالشموع و إجابته وهى تفك الطوق المحاصر لشعرها الإرجوانى الطويل الكثيف الطويل المتطاير على تمهل و عجلة "لكى تبتغيني.... "
ظل جوزيف قابض على الصليب وهو يصرخ مكررا"أنا لا أبغى سوى رضا الرب ؟"
وأثناء ذلك كان صوت شهوة يتردد صداه طاغيا فى جنبات أذنه
" لكى تبتغيني.... لكى تعبدني"
وكانت أجراس الدير تتأرجح تدق أعياد الميلاد السنة الجديدة بينما القديس الراهب جوزيف يدق شهوة كأنه يحرث السموات و الأرض بإصبعه الذى تحول إلى كائن ضخم إسطورى يقدس هذا الممر الساحر المؤدى إلى معبد مهبلها...و عندما صمت الدق كانت شهوة فى طريقها إلى خارج غرفة الراهب مودعة وقد خارت قواه قائلة"لقد كان إيمانك قوى بالرب"..
كان ماتعرض له القديس جوزيف أكبر و أعقد من طاقته على الفهم فقد عاد وعيه وأيقن أخيرا أن الشيطان وزملائه من طبقة الخدام فى الصف شبهوا له كرسى العرش و إنتخبوه آله مزورا فحاول إن يعود إلى رشده و إن يستغفر الرب وزهد فى الطعام و سجن نفسه فى غرفته بالدير لفترة طويلة وكان يبكى متهدجا الرب طوال الليل متواصلا بالنهار طالبا للصفح و لكن ذكريات الإثم فى عقله كان شديد إن يتحمله قلبه المسكين و ظل يرتل كل ما تذكره مما جاء بالتوراة و الإنجيل و القرآن وتعاليم بوذا بشكل عشوائيا ورقص كالدرويش لعل تطمئن نفسه وترجم المصيبة التى حلت به ...وتترجم القديس جوزيف مأزقه إلى أنها صناعة إرادة الرب ومشيئة توابعها من كلماته لإختبار مدى ثبات إيمانه فى تجاوز المعصية سعيا إلى الصفح والغفران ....ولكن شهوة عادت ثانيا للغرفة ذات صباح فعاد و أذعن وأسلم نفسه للدق و الحرث و مهرجان إفراز المشاعر ...فلم حل المساء كان الراهب جوزيف المسكين قد إندفع فى لحظة يأس وتخلص من مدفع رغبته وهو يكتم ثورة من الآلام و لم يكتفى بذلك فشنق رقبته وتدلى جسد القديس من سقف الغرفة ...وعندما دخلوا باب غرفته فى الصباح وجدوه قد كتب على جدرانها بأحجام مختلفة جملة واحدة "إن كان الرب موجود ...فلا ابن له...."وقد صدق القديس جوزيف فإبنته وإبنت الرب كانت جونيدا؟
___________________________________________________
الضوء القادم
"عربة اسمها العرق"
الفصل القادم من قصة شهوة فى محكمة شمال "رواية ممنوعة من النشر